الامام الحسن (ع) وجاهة القيادة دفاعا عن المظلومين
الشيخ المهندس حسين البيات - « شبكة والفجر الثقافية » - 2 / 2 / 2009م - 6:08 م
لم يدفع القرشيون الخلافة عن علي بن ابي طالب عليه السلام كرها في اجتماع الخلافة والنبوة في بيت واحد كما نقل عن الخليفة عمر بن الخطاب في حديثه مع ابن عباس وانما كانت نتيجة لصلابة علي في دينه وعدم مهادنته في الحق ، ونراه جليا في كلمة المعصومة الزهراء سلام الله عليها عندما قالت : (....فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم..) ولان كره اجتماع الخلافة والنبوة كما جاء في كلمات الخليفة عمر بن الخطاب لا يمكن قبوله كتعليل بدليل رد ابن عباس لذلك بوضوح ولا يمكن ايضا الذهاب الى تعصب قريش لان العصبية ستكون للبيت السيد وهو بيت عبد المطلب وليس بيوت غيرهم
اما عندما تولى الخلافة فانه لم يعمل فيهم الا بالعدل والمساواة الحقة بين كافة المسلمين وعامة المواطنين وهو مما لم يقبله المتنفذون ولذلك فان تركة صعبة وصلت الى خلافة الامام الحسن عليه السلام بفقدان المتنفذين لصلاحيات السلطة والقهر وتنامي قوى الانتهازيين ، فكان لابد من ان تتكاتف تلك القوى لمواجهة مد العدل العلوي ولذا تستوقفنا مسلسلات الظلم والعدوان الاموي في كل ذكرى للامام الحسن عليه السلام لما فيها من المرارة والحسرة ، وانتهاءا بالمروانين ، وتبدأ تلك السلسلة على المسلمين غير الخانعين للسياسة الاموية بشكل عام وللموالين لاهل البيت عليهم السلام بالخصوص ، الذين ذاقوا ويلات الظلم بشتى صنوفه وانواعه
بعد رحيل امير المؤمنين عليه السلام واجهت الساحة الاسلامية توترا شديدا بين العراق والشام وانتهاكا صارخا للابرياء في الحجاز وفقدت تلك المناطق الامن جراء الحرب والارهاب ، وضعفا واضحا على ساحة ممثلي القيادة الشرعية ، واصبحت اليد الطولى بيد الارهاب الاموي عبر نشر الرعب في اليمن والكوفة والمناطق الشيعية فارسل معاوية بسر بن ارطأة [1] في اواخر عهد الامام علي عليه السلام لاشاعة الخوف واضعاف المعنويات فاستعمل القتل للمسلمين كافة ، (وَ هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَ قَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا.[2] ..) و وتركز هذا القمع الاموي على الشيعة بالخصوص
لم يكن امام الامام الحسن عليه السلام سوى خيارات محددة وافضلها قتال معاوية لان الخيار التالي هو سكوته عن معاوية ، وهذا يعني امتداد سلطة معاوية اكثر وستضعف الحكومة الاسلامية مما يعني استمرار الانتهاكات الاموية للقفز على السلطة ، ولذا فان الامام عليه السلام اختار الحرب وجيش الجيوش الا ان الوضع الاسلامي كان قد استشرى فيه الفساد واشترى معاوية اغلب الذمم والنفوس ووصل الامر ان ينبري مجموعة من متنفذي الكوفة لتسليم الحسن الى معاوية بعد ان طُعن سلام الله عليه في "مسكن" بالانبار وهي المنطقة التي كان من المحتم ان تنطلق جيوش المسلمين لمواجهة معاوية
وقع الصلح بين الامام ومعاوية وهو بالمعنى الاصح ، هو اتفاق هدنة لتولي معاوية الحكم السياسي مؤقتا ليرجع الامر بعد هلاك معاوية الى البيت العلوي ، سيكون باللازم ؛ اما الى الحسن عليه السلام او الى الحسين عليه السلام ، كما نراه جليا في البند الثاني من بنود الصلح (أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن(ع) فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين(ع)، وليس لمعاوية أن يعهد بعده لأحد ) ،
ولذا فان دس السم [3] الى الحسن هو لاخراج اول الزعيمين ويبقى الوضع بمحاولة تنصيب يزيد جاريا قبل ان يهلك معاوية ولذا نلاحظ مداراة الامام الحسين عليه السلام عن اي تحدٍ للسلطة تفاديا لاي قرارٍ يبغي من خلاله معاوية تصفية كامل الوضع ليزيد مع كونه غير مؤهل ،لا اجتماعيا ولا سياسيا
انشغل الامام الحسن عليه السلام بامور المسلمين بعد وقوع الصلح ومواجهة الفساد السياسي في المجتمع الاسلامي والدفاع عن المستضعفين بشتى السبل حتى فيما لا يمكن استساغته نفسيا ، فلم يكن من المحتمل ان يتشفع الامام الحسن عليه السلام عند زياد بن ابيه وهو يعلم بمدى حقده وعداوته للشيعة ،
نتوقف مع هذه القصة العظيمة في مضمونها الحزينة في مسارها ولكنها تحكي بلاشك صورة العظماء والمتصلين بالله في كل جوانب حياتهم فنراه سلام الله عليه يضع وجوده وحقيقة وجاهته وسمو شخصه مدافعا عن المستضعفين والابرياء فنراه حينما صادر زياد بن أبيه املاكا لسعيد بن سرح وهو من شيعة امير المؤمنين (عليه السلام) ، وإخرجه من بيته واعتقل زوجته وعياله وأخيه، ولم يكن امام سعيد لاخراجه من هذه المحنة الكبيرة الا الالتجاء الى الإمام ابي محمد الحسن (عليه السلام) ،فشكا له ما جرى عليه،وهو موقف شديد جدا على الامام عليه السلام فمثل هذا الطلب ليس مع شخص ربته القيم والاخلاق ، وليس مع شخص يملك ادنى مستويات الانسانية او الاعتبارية ، انه زياد بن ابيه ...
فكتب الإمام الحسن (عليه السلام) رسالة إلى زياد وهذه تعتبر من اشد حالات الدفاع عن المظلومين عند الهابطين وهو من هو الذي تتبع الشيعة في كل مكان لافنائهم كما ينقل ذلك الذهبي في جزئه الثالث نقلا عن الحسن البصري بخصوص شيعة البصرة
الامام يكتب بجمل قصيرة وقوية ولكنها لا تخلو من تشفع لهذا المؤمن الضعيف :
(من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد: فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فهدمت داره، وأخذت ماله، وحبست أهله وعياله، فإن أتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد عليه عياله وماله وشفعني فيه فقد أجرته والسلام).
نلاحظ الامام عليه السلام لم يذكر نسب زياد لعبيد فتحمل على انه يعيره بنسبه ولم ينسبه لسفيان لانه نسب غير صحيح فاكتفى بذكر اسمه فقط ونلاحظ ايضا طلب الامام بتودد وتشفع لارجاع حقوق هذا المسلم، بقوله وشفعني فيه
بالطبع فان زيادا لن ترقى اليه تلك اللغة لانه يرى فيها وضعا مناسبا للنيل من الحسن عليه السلام ولان عدم نسبته الى ابي سفيان يثير حنقه جدا فان رده كان بمستوى الدنائة فكتب زياد الى الامام عليه السلام : (من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة ، أما بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة ، وأنا سلطان وأنت سوقة ، كتبت إلي في فاسق لا يؤويه إلا مثله ، وشر من ذلك توليه أباك وإياك ، وقد علمت أنك قد أويته إقامة منك على سوء الرأي ، ورضا منك بذلك ، وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك . وإن نلت بعضك غير رفيق بك ولا مرع عليك ، فإن أحب لحم إلي آكله للحم الذي أنت منه ، فأسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك ، فإن عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه ، وإن قتلته لم أقتله إلا بحبه إياك )
ارأيتم دنائة مثل هذه ؟؟؟
واني ذكرت رده لنعلم جميعا نوع هذه الشخصيات التي واجهها الشيعة في تاريخهم الطويل
نعم هذه الوجاهة والقيادة الملتزمة بخدمة المسلمين والدب عن حقوقهم واحترامهم نراها غير مترددة في القيام بما يلزم من اجل الوصول الى تاكيد الحضور القيادي لنصرة المظلومين دون التركيز على الاعتبارات الواهمة والتي لن يستطيع من خلالها اي قيادي من الوصول الى اي مرتبة عليا الا بشعبه وقيمه وخلقه وانسانيته
فسلام الله وصلواته عليك يا مولانا يا ابا محمد حين ولدت وحين ارتحلت مسموما بيد الاعداء الظالمين ورزقنا الله شفاعتكم في الدنيا والاخرة ولا فرق بيننا وبينكم طرفة عين
وصلى الله على محمد واله الطاهرين