مناظرة الدكتور التيجاني قبل تشيعه مع السيد الخوئي قدس سره في الافتراء
المنسوب إلى الشيعة أن جبرئيل أعطى الرسالة النبي صلى الله عليه وآله بدل
علي(1) عليه السلام )
يقول الدكتور التيجاني في لقائه مع السيد الخوئي قدس سره: ودخل السيد الخوئي
ومعه كوكبة من العلماء عليهم هيبة ووقار، وقام الصبيان وقمت معهم، وتقدّموا من
«السيد» يقبّلون يده، وبقيت مستمّراً في مكاني، ما إن جلس «السيد» حتى جلس
الجميع وبدأ يحيّيهم بقوله: «مسّاكم الله بالخير» يقولها لكل واحد منهم، فيجيبه
بالمثل حتى وصل دوري فأجبت كما سمعت، بعدها أشار عليَّ صديقي الذي تكلّم مع
«السيد» همساً، بان أدنو من «السيد» وأجلسني على يمينه وبعد التحية قال لي
صديقي: احكِ للسيد ماذا تسمعون عن الشيعة في تونس.
فقلت: يا أخي، كفانا من الحكايات التي نسمعها من هنا وهناك، والمهم هو أن أعرف
بنفسي ماذا يقول الشيعة، وعندي بعض الاَسئلة أريد الجواب عنها بصراحة.
فألحّ عليّ صديق وأصرّ على أن أروي «للسيد» ما هو اعتقادنا في الشيعة، قلت:
الشيعة عندنا هم أشدّ على الاِسلام من اليهود والنصارى، لاَنّ هؤلاء يعبدون
الله ويؤمنون برسالة موسى عليه السلام، بينما نسمع عن الشيعة أنّهم يعبدون
عليّاً ويقدّسونه، ومنهم فرقة يعبدون الله ولكنهم ينزلون عليّاً بمنزلة رسول
الله، ورويت قصّة جبريل كيف أنّه خان الاَمانة حسب ما يقولون، وبدلاً من أداء
الرسالة إلى علي، أدّاها إلى محمد صلى الله عليه وآله.
أطرق «السيد» رأسه هنيئة، ثم نظر إليّ وقال: نحن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ
محمداً رسول الله ـ صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين ـ، وما عليُّ إلاّ عبد
من عبيد الله، والتفت إلى بقية الجالسين قائـلاً ومشيراً إليّ: انظروا إلى
هؤلاء الاَبرياء كيف تغلّطهم الاِشاعات الكاذبة، وهذا ليس بغريب فقد سمعت أكثر
من ذلك من أشخاص آخرين، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم، ثم التفت
إليّ وقال: هل قرأت القرآن ؟
قلت: حفظت نصفه ولم أتخطّ العاشرة من عمري.
قال: هل تعرف أنّ كلّ الفرق الاِسلامية على اختلاف مذاهبها متفقة على القرآن
الكريم، فالقرآن الموجود عندنا هو نفسه موجود عندكم.
قلت: نعم هذا أعرفه.
قال: إذاً، ألم تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ
قِد خَلَت مِن قِبلِهِ الرُّسلُ)(2) .
وقوله أيضاً: (مُّحَمّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلىَ
الكُفَّارِ)(3) .
وقوله: (مَّا كَانَ مُحَمّدٌ أَبا أَحَدٍ مِّن رجَالكُم وَلَكِن رّسُولَ الله
ِوَخَاتَم النَّبِيِّينِ)(4)
قلت: بلى أعرف هذه الآيات
قال: فأين هو علي عليه السلام ؟ إذا كان قرآننا يقول بأنّ محمداً رسول الله صلى
الله عليه وآله فمن أين جاءت هذه الفرية ؟ سكتُّ ولم أجد جواباً.
وأضاف يقول: وأمّا خيانة جبرئيل «حاشاه» فهذه أقبح من الاَولى، لاَنّ محمداً
كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل عليه السلام، ولم يكن
عليّ عليه السلام إلاّ صبياً صغيراً عمره ستّ أو سبع سنوات، فكيف يا ترى يخطيء
جبرئيل ولا يفرّق بين محمد الرجل وعلي الصبي ؟.
ثم سكتّ طويلاً، بينما بقيت أفكّر في أقواله وأنا مطرق أحلّل وأتذّوق هذا
الحديث المنطقي الذي نفذ إلى أعماقي وأزال غشاوة عن بصري، وتساءلت في داخلي كيف
لم نحلّل نحن بهذا المنطق.
أضاف «السيد الخوئي» يقول: وأزيدك بـأنّ الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل
الفرق الاِسلامية الاَخرى التي تقول بعصمة الاَنبياء والاَئمة، فإذا كان أئمتنا
ـ سلام الله عليهم ـ معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا، فكيف بجبرئيل وهو ملك
مقرّب سمّاه ربّ العزّة بـ «الروح الاَمين».
قلت: فمن أين جاءت هذه الدعايات ؟!
قال: من أعداء الاِسلام، الذين يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم
ببعض، وإلاّ فالمسلمون إخوة سواء كانوا شيعة أم سنّة، فهم يعبدون الله وحده لا
يشركون به شيئاً وقرآنهم واحد، ونبيّهم واحد، وقبلتهم واحدة، ولا يختلف الشيعة
عن السنّة، إلاّ في الاَمور الفقهية، كما يختلف أئمـة المذاهب السنّية أنفسهم
في ما بينهم، فمالك يخالف أبا حنيفة، وهذا يخالف الشافعي وهكذا...
قلت: إذاً كل ما يحكى عنكم هو محض افتراء ؟
قال: أنت بحمد الله عاقل، وتفهم الاَمور وقد رأيت بلاد الشيعة وتجوّلت في
أوساطهم فهل رأيت أوسمعت شيئاً من تلك الاَكاذيب ؟
قلت: لا، لم أسمع ولم أر إلاّ الخير(5) .
____________
(1) هذه الفرية على ما يبدو إنها ظهرت من قبل أكثر من ألف سنة، فقد نسبها إلينا
كلٌ من ابن عبد ربه الاَندلسي (ت 328 هـ) في العقد الفريد: ج 2 ص 250، بلا تورع
ولا تثبت فيما ينقل عن الشيعة الاِمامية، وأبو القاسم النيسابوري (ت 406 هـ) في
كتابه عقلاء المجانين ص 184 ح 322 بسنده عن بكار بن علي عن أبي سعيد الضبعي،
الذي يزعم أن الشيعة تقول: إن الله بعث جبرئيل إلى علي عليه السلام فغلط فأتى
محمداً صلى الله عليه وآله !! وتكفي شهادة راوي الحديث ـ بكار بن علي ـ في
المروي عنه ـ وهو أبو سعيد الضبعي ـ أنه قد خولط في عقله. هذا في نفس الكتاب
المطبوع في بيروت نشر دار النفائس تحقيق الدكتور عمر الاَسعد، أما في الكتاب
المطبوع في القاهرة نشر مكتبة إبن سينا تحقيق مصطفى عاشور ص 119 ـ 120 فقد حذفت
منه شهادة الراوي في المروي عنه (إنه قد خولط في عقله) ولا أدري كيف حذفت منه،
أهو من أجل دفع شبهة الجنون عن الراوي لتزكيته لتثبيت التهمة، أو لخطأ من
الناسخ أو غيرهما الله العالم راجع تعلم، كما ذكر هذه الفرية أيضاً ابن أبي
الحديد في شرح النهج: ج 10 ص 13 إلا انه لم ينسبها إلى فئة معينة، قال: وادعوا
فيه ـ أي الاِمام علي عليه السلام ـ انه كان الرسول صلى الله عليه وآله ولكن
الملك غلط فيه.
وبسبب هؤلاء غير المتثبتين الذين ألصقوا هذه الفرية على الشيعة الاِمامية انطوت
على أولئك الذي لا يتورعون عن بث الفرقة والخلاف في أوساط المسلمين، وراحوا
يبثونها ما وجدوا إليها من سبيل حتى عولَ عليها مَنْ لا تثبت عنده، ولم يسأل
نفسه عن مصدرها وحقيقتها، فهل وجد هذه الفرية في كتاب من كتب الشيعة مثبتة، أو
سمع أحداً منهم تفوه بها ولو كان شاذاً، والعجب كل العجب من بعض الكتاب الذي
يعيشون في عصر الثقافة والعلم، أمثال الشرقاوي الذي انطوت عليه مثل هذه
الاَكذوبة التي لا أصل لها، فقد ذكر في مقال كتبه عن (زيد الشهيد) نشرته جريدة
الاَهرام بتاريخ 4 / 8 / 1978 م، ص 10، قال فيه: وفي العراق جماعات مختلفة
متطرفة من شيعة آل بيته، اضطرهم جو الحكام وظلمهم لآل البيت عليهم السلام إلى
المبالغة والتطرف والتفوا حوله، منهم جماعة تدعي ان الوحي كان سينزل على
الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام ولكنه أخطأ. انتهى.
ولنا أن نحاسب الشرقاوي في ما كتبه، فمن أين جاء بهذه المعلومة فهل سمع من
هؤلاء الجماعة التي تزعم ذلك بنفسه أن لقفها من الاَبواق المأجورة، ومن هؤلاء
أيضاً عبد الرحمن الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الاَربعة: ج 4 ص 75، في
باب النكاح في مبحث الكفاءة ، حيث يقول في صدد استعراض من يختلف مع المسلمين
بالدين، قال:
المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع: الاَول، الذين لا كتاب لهم سماوي،
ولا شبهة كتاب، إلى أن قال: ويُلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من
الدين الاِسلامي بالضرورة، كالرافضة الذين يعتقدون أن جبرئيل غلط في الوحي،
فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالاِيحاء إلى علي عليه السلام... إلى آخر
كلامه الذي سوف يؤاخذ عليه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله
بقلب سليم، وبعد هذا كله هل تجد مسوغاً لاَمثال هؤلاء الذين لا يتورعون عن
الاِفتراء على أمة بكاملها، ولم يحاسبوا أنفسهم، ولم يكلفوها عناء البحث
والتحقيق والتثبت ؟!
(2) سورة آل عمران: الآية 144.
(3) سورة الفتح: الآية 29.
(4) سورة الاَحزاب: الآية 40.
(5) كتاب: ثم اهتديت للدكتور التيجاني ص 55 ـ 57.